مكانة السنة النبوية وفضلها
لفضيلة الدكتور السيد محمد علوي المالكي
أمرالله سبحانه وتعالى في محكم كتابه المبين بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وجعل طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم طاعة الله بعينها فقال : () مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً )) (النساء: 80) .
وفي هذه الآية نداء صريح وواضح بشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلو شأنه وارتفاع مرتبته بما لا يقدر قدره ولا يبلغ مداه ، قال الحسن : (( جعل الله طاعة رسوله طاعته وقامت به الحجة على المسلمين )) ..
وقال تعالى : (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآْخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ))(الأحزاب: 21) أي ائتسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم واقتدوا به فهو المثل الاعلى للكمال الإنساني ، فلا بد من معرفة بدايته صلى الله عليه وسلم وسيرته ومكارمه وما أنعم الله به عليه في حياته من حيث هو فرد ونبي ورب أسرة وأب وأخ وداع إلى الله وصراط مستقيم ونور وبرهان من ربه وقائد وحاكم في حربه وسلمه وفي عباداته ومعاملاته من حيث أنه قدوة في كل زمان ومكان وخاتم النبيين ولم يحدد طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بحد لأنه قد ائتمنه على رسالته فإنه لا يأمر بما لا يرضى الله عزوجل فذلك مستحيل . والطاعة عامة فلا يجوز أن نطالبه بنص من القرآن على ما أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد آمنا به وأنه الصادق المصدوق قال تعالى : (( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )) (الحشر: من الآية7) ..
ويقول الله سبحانه وتعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ )) (النساء: 59) فهذا أمر من الله بطاعة رسوله في حياته فيما أمر ونهى وبعد وفاته في اتباع سنته وذلك أن الله عمم الأمر بطاعته ولم يخصص في ذلك بحال دون حال..
ويقول الله سبحانه وتعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ )) (الأنفال: 24) فقد أمر المسلمين بالاستجابة لله ولرسوله والأمر للوجوب ، والاستجابة لهما هي قبول ما أمرا به ونهيا عنه في الكتاب والسنة والعمل بمقتضاهما
ويقول الله سبحانه وتعالى : (( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ )) (النساء: 65) فالله تعالى يقسم بنفسه الكريمة المقدسة ، أن لا يؤمن أحد حتى يحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً ولهذا قال : (( ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً )) (النساء: 65) وذلك بالقلب مع العقل والقبول مع الرضا والموافقة مع الاقتناع كما ورد في الحديث (( والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ))..
حجية السنة :
فالسنة هي الأصل الثاني للتشريع الإسلامي لذلك كان وجوب إتباعها والرجوع إليها والاعتماد عليها بأمر الحق سبحانه وتعالى وبأمر المشرع الأعظم .
ومن هنا كان المنكر لحجيتها الذي يزعم أنه يعمل بالكتاب فقط أقل وأحقر من أن يرد عليه أو يجادل ، لأنه من حيث زعم الحق وقع في الباطل ، ودعواه الطاعة والإتباع هي عين المعصية والابتداع فهذا القرآن ينادي بصريح الآيات البيانات بنفي الإيمان عن من لا يتحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرجع الأمر إليه ثم ينقاد لحكمه ويذعن لأمره مع الرضا التام والتسليم الكامل والتفويض الصادق ، وهذا القرآن يخبرنا أيضاً بأنه لا اختيار لمؤمن مع حكم الله تعالى وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم ووصف من خالف ذلك بالعصيان.
وقد أخبرنا عليه الصلاة والسلام بما أطلعه الله عليه من الغيب فقال : (( يوشك رجلاً منكم متكئاً على أريكته يحدث بحديث عني فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرَّمناه ألا وإن ما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الذي حرَّم الله ))..
وظيفة السنة في التشريع :
صلة السنة بالقرآن الكريم عظيمة ووثيقة جداً إذا علمنا أن وظيفة السنة النبوية تفسير القرآن الكريم والكشف عن أسراره وتوضيح مراد الله تعالى من أوامره وأحكامه ، ونحن إذا تتبعا السنة من حيث دلالتها على الأحكام التي اشتمل عليها القرآن إجمالاً أو تفيصلاً وجدناها ترد هذه الوجوه الأربعة:
الأول - أن تكون موافقة لما جاء في القرآن الكريم : فتكون واردة حينئذ مورد التأكيد، وذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم (إن الله يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته) يوافق قول الله سبحانه وتعالى: (( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)) (هود:102) وغيرها من الآيات ..
الثاني - أن تكون بياناً لما أريد بالقرآن : وأنواع هذا البيان ما يأتي :
(1) بيان مجمل - وذلك مثل الأحاديث التي بينت جميع ما يتعلق بصور العبادات والأحكام من كيفيات وشروط وأوقات وهيئات ، فإن القرآن لم يبين عدد ووقت وأركان كل صلاة مثلاً وإنما بينته السنة ..
(2) تقييد المطلق وذلك كالأحاديث التي بينت المراد من اليد في قوله تعالى : (( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا )) (المائدة: 38) أنها اليمنى وأن القطع من الكوع لا من المرفق ..
(3) تخصيص العام كقوله تعالى : (( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَْمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )) (الأنعام: 82) فقال الصحابة: ( وأيُّنا لم يظلم ) فقال عليه الصلاة والسلام : (( ليس بذاك إنما هو الشرك )) ..
(4) توضيح المشكل كقوله تعالى : (( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَْبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَْسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل ِ)) ( البقرة : 187) فهم منه بعض الصحابة العقال الأبيض والعقال الأسودفقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( هما بياض النهار وسواد الليل )) ..
الثالث - أن تكون دالة على حكم سكت عنه القرآن : وأمثلة ذلك كثيرة ومنها الأحاديث الواردة في تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها والأحاديث في تحريم ربا الفضل وتحريم لحوم الحمر الأهلية .
الرابع - أنها تكون ناسخة لحكم ثبت بالكتاب على رأي من يجوز نسخ الكتاب بالسنة :
وأمثلة ذلك كثيرة منها (( لا وصية لوارث )) فإنه ناسخ لحكم الوصية للوالدين والأقربين الوارثين الثابتبقوله تعالى: (( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَْقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ )) (البقرة: 180) ..
ولا غرابة في هذه المزايا التي جعلها الله للسنة النبوية إذا علمت أن هذه السنة هي أقوال وتقريرات النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم وأن هذا النبي قد تكفل الله بعصمته وإمداده بالوحي وعصمته عن الخطأ والهوى في كل ما يأتي به من قرآن وسنة فيها بيان للقرآن أو تشريع مستقل ..
قال تعالى : (( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى )) (النجم : 3-4) ..
اضف تعليق:
0 تعليقات: